الانفجار العظيم
الانفجار العظيم في علم الكون الفيزيائي هو النظرية السائدة لتفسير نشأة الكون. تعتمد فكرة النظرية أن الكون كان في الماضي في حالة حارة شديدة الكثافة فتمدد، وأن الكون كان يومًا جزءا واحدا عند نشأته. بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعتبر عمر الكون. وبعد التمدد الأول، بَرَدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى.
تُقدّم نظرية الانفجار العظيم شرحاً وافياً لمجموعة واسعة من الظواهر المرئية التي تشاهد وترصد بتلسكوبات ضخمة وتلسكوبات فضائية مختلفة، بما في ذلك وفرة من ارصاد الإشعاعات الكونية والخلفية الإشعاعية للكون والبنية الضخمة للكون وقانون هابل. ونظرًا لكون المسافة بين المجرات تزداد يوميًا، فبالتالي كانت المجرات في الماضي أقرب إلى بعضها البعض. ومن الممكن استخدام القوانين الفيزيائية لحساب خصائص الكون كالكثافة ودرجة الحرارة في الماضي بالتفصيل. وبالرغم من أنه يمكن للمسرعات الكبيرة للجسيمات استنساخ تلك الظروف، لتأكيد وصقل تفاصيل نموذج الانفجار العظيم، إلا أن تلك المسرعات لم تتمكن حتى الآن إلا البحث في الأنظمة عالية الطاقة. وبالتالي، فإن حالة الكون في اللحظات الأولى للانفجار العظيم مبهمة وغير مفهومة، ولا تزال مجالاً للبحث. كما لا تقدم نظرية الانفجار العظيم أي شرح للحالة الأولية قبل الانفجار العظيم، بل تحاول تفسير نشأة وتطور الكون منذ تلك اللحظة الأولى بعد الانفجار؛ إذ بالانفجار يبدأ الزمان والمكان، ولا ترى الفيزياء زمنا قبل الانفجار العظيم، فقد بدأ به الزمن من وجهة نظر الفيزيائيين.
قدّم الكاهن الكاثوليكي والعالم البلجيكي جورج لومتر الفرضية التي أصبحت لاحقًا نظرية الانفجار العظيم عام 1927. ومع مرور الوقت، انطلق العلماء من فكرته الأولى حول تمدد الكون لتتبُّع أصل الكون، وما الذي أدى إلى تكوّن الكون الحالي. اعتمد الإطار العام لنموذج الانفجار العظيم على نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وعلى تبسيط فرضيات كتجانس نظم وتوحد خواص الفضاء. وقد صاغ ألكسندر فريدمان المعادلات الرئيسية للنظرية، وأضاف فيليم دي سيتر صيغ بديلة لها. وفي عام 1929، اكتشف إدوين هابل أن المسافات إلى المجرات البعيدة مرتبطة بقوة بانزياحها الأحمر. استُنتج من ملاحظة هابل أن جميع المجرات والعناقيد البعيدة لها سرعة ظاهرية تختلف عن فكرتنا بأنها كلما بَعُدت، زادت سرعتها الظاهرية، بغض النظر عن الاتجاه.
ورغم انقسام المجتمع العلمي يومًا بين نظريتي تمدد الكون بين مؤيد لنظرية الانفجار العظيم، ومؤيد لنظرية الحالة الثابتة، إلا أن التأكيد بالملاحظة والرصد على صحة سيناريو الانفجار العظيم جاء مع اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون عام 1964، واكتشاف أن طيف تلك الخلفية الإشعاعية يتطابق مع الإشعاع الحراري للأجسام السوداء. منذ ذلك الحين، أضاف علماء الفيزياء الفلكية إضافات رصدية ونظرية إلى نموذج الانفجار العظيم، وتمثيلها الوسيطي كنموذج لامبدا-سي دي إم الذي هو بمثابة إطار للأبحاث الحالية في علم الكونيات النظري.
جزء من سلسلة عن |
علم الكون الفيزيائي |
---|
|