الفتح الإسلامي لما وراء النهر

الفَتحُ الإسلَامِيُّ لِمَا وَرَاءَ النَّهرِ أو الغَزْوُ الإسْلَامِيُّ لِمَا وَرَاءَ النَّهرِ (بِالفارسيَّة: فَتْحِ ماوَراءَالنَّهرْ تَوَسُّطِ مُسَلْمانانْ أو فَتْحِ وَرارود تَوَسُّطِ مُسَلْمانانْ؛ وبِالتُركيَّة: Müslümanların Maveraünnehir'i fethi)، وفي بعض المصادر ذات الصبغة القوميَّة خُصُوصًا يُعرفُ هذا الحدث باسم الفَتْحُ العَرَبِيُّ لِمَا وَرَاءَ النَّهرِ (بِالفارسيَّة: فَتْحِ ماوَراءَالنَّهرْ تَوَسُّطِ اَعْرابْ)، هو سلسلة من الحملات العسكريَّة التي قام بها المُسلمون لِفتح بلاد ما وراء النهر تحت راية الخلافة الأُمويَّة أولًا، ثُمَّ تحت راية الخِلافة العبَّاسيَّة بعد انتقال الأمر إلى بني العبَّاس. وبلادُ ما وراء النهر المقصودة هي تلك البلاد والأقاليم الواقعة وراء نهر جيحون، الذي شكَّل تاريخيًّا الحد الفاصل بين الأقوام الناطقة بِالفارسيَّة والتُركيَّة، أي إيران وطوران. كانت بدايات تلك الفُتُوح تهدف إلى القضاء على فُلُول الفُرس الساسانيين الذين التجأوا إلى الإمارات التُركيَّة التابعة أو المُجاورة لِإمبراطوريَّتهم السابقة، والحيلولة دون أن تقوم لهم قائمة بعد ذلك كي لا يُهاجموا المُكتسبات الإسلاميَّة في فارس، وقد بدأت أولى تلك الحملات في خِلافة عُمر بن الخطَّاب عندما فرَّ يزدجرد الثالث شاه فارس من أمام المُسلمين والتجأ إلى خاقان التُرك يستنصره، فتعاون الرجُلان في مُقاومةٍ فاشلة حيثُ جنَّدا جيشًا وهاجما المُسلمين في خُراسان. وانتهى الأمر بفض هذا الحلف وانسحاب خاقان التُرك إلى بلاده مُقتنعًا بما تناهى إلى أسماعه من أنَّ المُسلمين لن يعبروا نهر جيحون، بناءً على تعليمات عُمر.

الفتحُ الإسلاميُّ لِما وراء النَّهر
جزء من الفُتوحاتُ الإسلاميَّة
خريطة تُظهرُ بلاد ما وراء النهر
معلومات عامة
التاريخ 78هـ \ 697م - 156هـ \ 751م
الموقع ما وراء النهر وآسيا الوُسطى (أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وكازاخستان وقرغيزستان والصين حاليًّا)
النتيجة
المتحاربون
مملكة طُخارستان

مملكة الصُغد
مملكة فرغانة
مملكة خوارزم
خانيَّة گوك تورك
الخانيَّة التورقشيَّة


الإمبراطوريَّة التبتيَّة
إمبراطوريَّة تانگ

الدولة الأُمويَّة

الدولة العبَّاسيَّة

القادة
بندون الصُّغدي  

غورك الصُغدي
تيش الصغانيائي  
السَّبل الخُتلي  
خاتون البُخاريَّة
وردان خُذاه
نيزك البرقشي  
سلوق خاقان
كورصول التورقشي
قاپاغان خاقان
تونيوكوك
إينال خاقان
كول تكين
بيلكه خاقان
خُرَّزاد الخوارزمي

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك
الحكم بن عمرو
عُبيد الله بن زياد
سعيد بن عُثمان
سلم بن زياد
أُميَّة بن عبدُ الله
المُهلَّب بن أبي صفرة
يزيد بن المُهلَّب
المفضل بن المُهلَّب
قُتيبة بن مُسلم
عبدُ الرحمٰن بن مُسلم
صالح بن مُسلم
سعيد بن عمرو
أسد بن عبد الله
نصر بن سيَّار الكناني


أبو مُسلم الخُراساني
زياد بن صالح الحارثي

بعد انقضاء عهد الخُلفاء الراشدين، انشغل المُسلمون لِفترةٍ طويلةٍ بِالفتن والاضطرابات المُتلاحقة التي اجتاحت النصف الشرقي من الدولة الإسلاميَّة، الأمر الذي لم يسمح لهم بِالتوسُّع في فُتُوحاتهم، ولم يتغيَّر الوضع حتَّى تولَّى عبد الملك بن مروان الخِلافة سنة 65هـ المُوافقة لِسنة 685م. ففي عهد الخليفة المذكور تحققت بعض الفُتُوحات في بلاد ما وراء النهر بِفضل قُوَّة الدولة المُختزنة، على أنَّ تلك الفُتُوح لم تكن كبيرة بِسبب أنَّ السياسة الخارجيَّة التوسُعيَّة على الجبهة الشرقيَّة كانت آخر اهتمامات عبد الملك لانصرافه إلى مُعالجة القضايا الداخليَّة، فكان الجُمُود هو الطابع العام لِسياسة الفتح في ذلك الوقت. ولم تنشط فُتُوحات ما وراء النهر إلَّا مُنذُ أن تولَّى الحجَّاج بن يُوسُف الثقفي ولاية خُراسان مع العراق في سنة 78هـ المُوافقة لِسنة 697م، فولَّى خُراسان المُهلَّب بن أبي صفرة، الذي غزا مع أبنائه بلاد ما وراء النهر خاصَّةً مدينة كش، والختل وريخش، وتابع أبناؤه بعد وفاته سياسة الجهاد هذه، إلَّا أنَّ فُتُوحات المُسلمين لِهذه المنطقة لم تأخذ مظهرها الجدِّيّ إلَّا عندما ولَّى الحجَّاج، قُتيبة بن مُسلم الباهلي ولاية خُراسان في سنة 86هـ المُوافقة لِسنة 705م. ولقد مرَّت خُطوات قُتيبة بن مُسلم في فتح بلاد ما وراء النهر - على مدى عشر سنوات (86-96هـ) - عبر مراحل أربع، حقق في كُلٍ منها فتح ناحية واسعة فتحًا نهائيًّا، وثبَّت أقدام المُسلمين والإسلام فيها. وبوفاة قُتيبة بن مُسلم توقفت فُتُوحات المُسلمين على هذه الجبهة عند الحد الذي تركها هو عليه، ذلك أنَّ باقي العُمَّال الذين تلوه قضوا عهودهم يُثبتون أقدام المُسلمين في المناطق المفتوحة ويعملون على وأد الفتن والانتفاضات القائمة فيها. ولم تُستأنف حركة الفُتُوحات في هذه الناحية من العالم إلَّا بعد انهيار الدولة الأُمويَّة وقيام الدولة العبَّاسيَّة على أنقاضها، فحمل أبي مُسلم الخُراسانيّ على أطراف الصين بناءً على أمرٍ من الخليفة أبي جعفر المنصور لاستعادة هيبة المُسلمين في تُركستان، التي تراجعت بسبب انشغال هؤلاء بِالحركة العبَّاسيَّة والنزاع بين البيتين العبَّاسي والأُموي، الذي أفضى إلى سُقُوط الدولة الأُمويَّة. شكَّلت معركة نهر طلاس بين المُسلمين والصينيين آخر حدٍ وصلتهُ الفُتُوحات في ما وراء النهر، فأنهت نُفُوذ الصين في تلك البلاد، التي اصطبغت بِالصبغة الإسلاميَّة مُنذُ ذلك الحين، ودخلت في ديار الإسلام.

وفي الحقيقة فإنَّ ميدان ما وراء النهر كان من أشد الميادين قتالًا بِالنسبة لِلمُسلمين، فلم يكن هُناك من دار حربٍ أشدُّ من بلاد التُرك آنذاك. ومن الجدير بالذكر أن التُرك الذين واجههم المُسلمون في هذه البلاد كانوا أجناسًا، وكان أوَّل جنسٍ قابلوه هو جنس الهياطلة (الهون)، ومنهم عدَّة قبائل سكنت في الجنوب عُرفت بالزابليين، وقد استقروا في إقليم زابلستان، وأعطوه اسمهم. كما كان هناك التُرك البختيون، ويسمون في غير العربيَّة باسم «البكتريين» نسبة إلى إقليم باخترية أو باكترية الذي سكنوه. وعندما دخل المُسلمون في صراعٍ مع التُرك قاتلوا البختيين في نفس الوقت الذي قاتلوا فيه الهياطلة، وكلا الفريقين ينتمي إلى الأتراك الغزيَّة (الأوغوز). كان من نتائج هذه الفُتُوحات أن دخلت أغلب قبائل التُرك في الإسلام، وأصبح هؤلاء - بِمُرور الوقت - إحدى أكبر العرقيَّات المُسلمة في العالم، إلى جانب العرب والفُرس والبربر وغيرهم. كما أصبحت تلك البلاد إحدى أبرز المراكز الحضاريَّة والثقافيَّة الإسلاميَّة في العصر العبَّاسي، وخرج منها مئات العُلماء والفلاسفة والأُدباء، وشكَّلت العديد من مُدُنها مراكز علميَّة وحضاريَّة، مثل بُخارى وسمرقند ومرو وسرخس وغيرها.

This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.