تحسين النسل

تحسين النسل (بالإنجليزية: eugenics، من الإغريقية ευγενες «أصيل» «كريم الأصل»)‏ هو تطبيق أساليب ومفاهيم الانتقاء على الإنسان، وعن وسائل تحسين خصائصه الوراثية. من المفترض أن يساهم تحسين النسل في الحد من ظواهر الانحطاط في جميعة الجينات البشرية.

حظي تحسين النسل بشعبية واسعة في العقود الأولى من القرن العشرين، إلا أنه ارتبط فيما بعد بممارسات ألمانيا النازية مما أدى إلى تدهور سمعته كعلم. وفي الفترة بعد الحرب العالمية الثانية بات علم تحسين النسل محسوباً على جرائم النازيين مثل التصفية العرقية والتجارب على البشر وتصفية الفئات الاجتماعية «غير المرغوبة». ولكن بحلول نهاية القرن العشرين، ونتيجة التطور في علم الوراثة، عاد موضوع تحسين النسل وأهميته ووضعه الأخلاقي في العصر الراهن.

يجري حل الكثير من مشاكل علم تحسين النسل[بحاجة لدقة أكثر] في بداية القرن الحادي والعشرين، لا سيما مكافحة الأمراض الوراثية، ضمن نطاق علم الوراثة البشري.

يدرس علم تحسين النسل البشري eugenics أفضل الشروط لتحسين الجنس البشري نوعياً، ووضع قواعد لتكاثر بشري حسن، كما يعرَّف بأنه الدراسة النظرية والعملية لكل الوسائل التي تستطيع أن تقي أو تحسّن العوامل الأقوى والأفضل للعروق البشرية، أو بقولٍ آخر، حماية الصفات الجينية الحسنة في الأجيال المقبلة. ويهدف تحسين النسل أولاً إلى تفادي ولادات أطفال مصابين بأمراض وراثية. ولا تقتصر غاية هذا العلم على إنشاء أفراد أقوى، بل إنجاب سلالات ذات قدرة متميزة من قوة الاحتمال والذكاء والشجاعة.

ولا يعد تحسين النسل علماً حديثاً، فقد كانت العادة في إسبرطة القضاء على الأطفال المشوهين، وقد أشاد الفلاسفة الإغريق بقيمة القوانين التي لا تسمح للأطفال المولودين حديثاً بأن يبقوا على قيد الحياة إذا لم تنطبق عليهم بعض القوانين التي وضعتها بعض لجان تحسين النسل. وقد عرض أفلاطون نفسه، عن طريق سقراط، برنامجاً للزواج يهدف إلى تحسين النسل.

وقد بقي الأمر على هذا النحو غير الدقيق حتى وضع الفيزيولوجي البريطاني فرنسيس غالتون (1822-1911) أسس تحسين النسل العلمي، واستعملَ هذا المصطلح للمرة الأولى، وذلك عام 1865 في مقالة له بعنوان «الموهبة الوراثية والطبع». ففي عام 1904عرّف غالتون هذا العلم بأنه «دراسة العوامل التي يُستطاع أن تُراقب اجتماعياً، ويمكنها أن ترفع الصفات العرقية للأجيال المقبلة أو تخفضها من الناحيتين الجسمية والعقلية». وفي العام نفسه بدأ غالتون بإلقاء محاضرات علمية عن تحسين النسل، وكانت غايته منها: منع تكاثر المعوقين (تحسين النسل السلبي)، وتنشيط تكاثر الأفضل وذلك لتحسين العرق (تحسين النسل الإيجابي).

وقد اقترح أن تقاس عبقرية فرد ما بالطريقة النسبية أي بعدد أفراد جمهرة ما تقع في التصنيف تحته أو تفوقه ذكاء. وهكذا استعمل أدوات قياس (جداول عشرية) تسمح بمعرفة ما هي نسبة الأفراد الذين يفوقون فرداً ما في ذكائهم. وقد بقي هذا المبدأ وهذه الطريقة مستعملين منذئذ في علم النفس التفاضلي. وفي تطبيقها تُلاحَظُ حادثة فكرية معينة عند عدد من الأفراد ثم يصنف الفرد الذي يُدرس بينهم.

وقد طبق غالتون الطريقة نفسها على الناحية الجسدية كالطول مثلاً، وربط بين الطول وذكاء الفرد أحياناً وتوصل إلى إيجاد معامل ارتباط، وبهذه الطريقة برهن كيف يمكن الربط بين الحوادث البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والجسدية وغيرها. وقد حَسَّن معامل الارتباط هذا أحد تلامذته الباحث في الرياضيات بيرسون.

ويبدو أن غالتون قد أتى مبكراً جداً أو متأخراً جداً بالنسبة لعصره، فهو مبكر جداً لأنه في نهاية القرن التاسع عشر لم تكن مبادئ الوراثة العلمية قد عرفت ولم يقم لمبادئ مندل وزن كبير في ذاك الوقت، وكان لابد من الانتظار حتى سنة 1925 ليأتي الأمريكي مورغان ومساعدوه ويقوموا بدراساتهم على ذبابة الخل drosophila، ليكتشفوا أن الجينات هي وحدات نقل الصفات وهي تشغل مكاناً ثابتاً على الصبغيات.

لم تستند آراء غالتون إلى المعارف البيولوجية الدقيقة، فالأعمال الأولى التي توصل إليها كانت مبهمة والنتائج التي حصل عليها تدعو للشك، كما أن تطبيقاتها كانت تؤدي إلى مشكلات كبيرة، إذ فرضت التعقيم والإخصاء على بعض الأفراد، ونشأت عن ذلك إيديولوجيات عرقية اعتقدت بهذا التطبيق. كما يمكن القول إن غالتون قد أتى مُتأخراً جداً لأن بعض المجتمعات كانت قد طبقت ما يطلبه قبل ذلك (كالإغريق مثلاً). ومن العلماء القائلين بتحسين النسل الفيزيولوجي الفرنسي شارل ريشيه (1850-1935)، والطبيب ألكسيس كاريل (1873-1944).

وقد اتخذت معظم الحكومات في أوروبا تدابير للحدّ من المعوقين عقلياً وجسدياً نتيجة الكثير من الأمراض الوراثية كمتلازمة داوْن أو (المنغولية أو التثلث الصبغي)، وهي شذوذ وراثي يتصف بوجود صبغي ثالث لاحق على زوج من الصبغيات في حين تكون بقية الصبغيات مزدوجة على نحو طبيعي، وفيها يولد أطفال من أمهات كبيرات السن، ويتزايد احتمال ولادة طفل بمتلازمة داون زيادة سريعة وأسية مع زيادة عمر الأم فيزيد الاحتمال من 1/2300 عند سن العشرين ليصير 1/100عند سن الأربعين. لذا يتخذ إجراء رئيسي هو بزل السائل الأمنيوسي للحوامل الأكبر سناً، لفحص ما إذا كان الجنين يحمل صبغياً إضافياً، ولديه فيما يحتمل أقل عدد من الجينات، ويسبب وجوده اضطراباً في توازن الجينوم البشري بحيث لا يستطيع البدن أن ينمو نمواً سليماً، كما أن وجود جين يؤدي للإصابة بداء رقص هَنْتنغتن Huntington’s Chorea، وهو مرض تظهر أعراض الحاملين لهذه الجينة في نحو الأربعين من عمرهم، وتتصف أعراضه باضطرابات عقلية وحركات رقصية تنتهي بموت المريض بالدنف والخرف.

This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.