معاهدة فرساي
معاهدةُ فرسايَ (بالإنجليزية: Treaty of Versailles)، (بالفرنسية: Traité de Versailles)، (بالألمانية: Versailler Vertrag) أو -"معاهدةُ السلامِ بينَ الحلفاءِ والقوى المرتبطة وبينَ ألمانيا" بحسبِ الاسمِ الرسمي- هيَ المعاهدةُ التي أسدلتِ الستارَ بصورةِ نهائيَّةٍ على أحداثِ الحربِ العالميَّةِ الأولى، وتمَّ التوقيعُ عليها بعدَ مفاوضاتٍ شاقّةٍ وعسيرةٍ استمرَّتْ ستةَ أشهرٍ هيَ وقائعُ مؤتمرِ باريسَ للسلامِ (وُقعتْ الهدنةُ العامّةُ في أوروبا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918م). وقَّعَ الحلفاءُ المنتصرونَ في الحربِ العالميَّةِ الأولى اتفاقيَّاتٍ منفصلةً معَ دولِ المركزِ الخاسرةِ في الحربِ وهيَ الرايخ الألمانيّ، والإمبراطوريّةُ النمساويّةُ-المجريّةُ، والدولةُ العثمانيّةُ، ومملكةُ بلغاريا. سُلمَتِ الصياغةُ النهائيةُ للنصّ الذي تمَّ الاتفاقُ عليهِ إلى الحكومةِ الألمانية في 7 مايو/أيار 1919 للموافقةِ عليِهِ منْ قبلِها، وجرتْ مراسمُ التوقيعِ في 28 يونيُو/حزَيرانَ 1919م. تضمّنَتِ المعاهدةُ الاعترافَ الألمانيَّ بالمسؤوليةِ الكاملةِ عنِ الحربِ ما أثارَ حنقاُ واسعاً في ألمانيا فقدِ اعتبرَ تنازلاً عن الكرامةِ الوطنيّةِ، فألمانيا وإنْ كانَ عليها نصيبُها من المسؤوليّةِ إلا أنَّه ليستِ المسؤوليّةُ كاملةً. لقدْ كانَ بنداً مثيراً لكثيرٍ منَ الجدلِ: "إقرارُ ألمانيا وحلفائِها بمسؤوليّتِها عنِ التسببِ في كافة الخسائرِ والأضرارِ" التي وقعتْ أثناءَ الحربِ (تضمنتِ المعاهداتُ معَ دولِ المركزِ الأخرى موادَّ مماثلةً). أضحتْ هذهِ المادةُ (المادة 231) تُعرفُ باسمِ "بندُ ذنبِ الحربِ".
معاهدة ڤرساي | |
---|---|
Traité de Versailles | |
(بالتشيكية: Mírová smlouva mezi mocnostmi spojenými i sdruženými a Německem a Protokol, podepsané ve Versailles dne 28. června 1919) | |
النسخة الانجليزية من المعاهدة | |
التوقيع | 28 يونيُو/حزيرانَ 1919م |
المكان | قاعةُ المرايا في قصرِ ڤرساي، باريس، فرنسا |
تاريخ النفاذ | 10 ينايرَ/كانونُ الثاني 1920م |
الموقعون | الولايات المتحدة ، والإمبراطورية البريطانية ، وفرنسا ، وإيطاليا ، واليابان ، وجمهورية فايمار |
الإيداع | الحكومة الفرنسية |
|
|
تمخّضتِ المعاهدةُ عنْ تأسيسِ عصبةِ الأممِ التي أريدَ منها الحيلولةُ دونَ وقوعِ صراعٍ مسلّحٍ بينَ الدولِ كما حدثَ في الحربِ العالميَّةِ الأولى، ونزعِ فتيلِ النِّراعاتِ الدوليَّةِ قبلَ انفجارها. ألزمتِ المعاهدةُ ألمانيَا بخسارةِ بعضٍ منْ أراضيها وتقديمِ تنازلاتٍ إقليميّةٍ واسعةٍ، وتقاسمتِ الدولُ المنتصرةُ مستعمراتِها، فآلَتْ "تسينغتاو" في مقاطعةِ "شاندونغَ" الصينيّةِ إلى اليابانِ بدلاً منَ الصينِ مَا تسببَ بقلاقلَ ومظاهراتٍ احتجاجيَّةٍ صينِيَّةٍ، وتقاسمتِ الدولُ الأخرى الرئيسيّةُ المستعمراتِ الألمانيّةِ في إفريقيا والمحيطِ الهادي. خسرتِ الإمبراطوريةُ العثمانيّةُ أيضاً أراضٍ شاسعةً في آسْيا وانتهتْ نهائيّاً كإمبراطوريّةٍ، وتوزعتْ ممتلكاتُ إمبراطوريّةِ النمْسا والمَجرِ على عدةِ بلدانٍ وسطَ القارةِ وشرقَها وذلكَ بموجبِ معاهداتٍ لاحقةٍ لمعاهدةِ ڤرسايَ.
بما يتعلقُ بالقيودِ العسكريَّةِ على ألمانْيا فقدْ فرضتِ المعاهدةُ ضوابطَ وقيوداً صارمةً جداً على الآلةِ العسكريةِ الألمانيةِ بغيةَ منعِ الألمانِ منْ إشعالِ حربٍ ثانيةِِ، فنصّتْ على تجريدِ الجيشِ الألمانيّ منْ السلاحِ الثقيلِ، وإلغاءِ نظامِ التجنيدِ الإلزاميِّ المعمولِ به، والاحتفاظِ بمئةِ ألفِ (100,000) جنديٍّ فقطْ. وعدمِ بناءِ قوّةٍ جويّةٍ، والالتزامِ بـخمسةَ عشرَ ألفَ (15,000) جنديٍّ في البحريَّةِ، وتحديدِ عددِ السفنِ الحربيَةِ بعددٍ محدودٍ ومنعِها منْ بناءِ غوّاصاتٍ حربيَّةٍ. وفُرِضَ عليها ألاّ يحقَّ للجنودِ البقاءُ في الخدمةِ العسكريةِ أقلَّ منْ اثنيْ عشرَ (12) عاماً وللضبّاطِ خمسةٍ وعشرينَ (25) عاماً بحيثُ يغدو الجيشُ الألمانيُّ قائماً على الكفاءاتِ العسكريّةِ غيرِ الشابّةِ.
ثمَّ جاءَ دفعُِ التعويضاتِ لبعضِ البلدانِ. حُدّدتْ هذهِ التعويضاتُ بمبلغِ تسعةٍ وستينَ ومئتيْ (269) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيّ، ثمَّ خُفّضَ عدةَ مراتٍ فيما بعدُ، وبحسبِ خبراءَ اقتصاديّينَ فإنها رغمَ التخفيضاتِ بقيتْ مغالىً فيها. ونتجَ عنْ ذلكَ أنْ أثقلتِ الديونُ الاقتصادَ الألمانيَّ المنهَكَ بسببِ الحربِ وما تبعها ممَّا رفعَ درجةَ الغضبِ والغليانِ الشعبيِّ وأسهمَ في النهايةِ باندلاعِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ.
كانَ الاقتصاديُّ البريطانيُّ اللامعُ "جونْ ميناردْ كينز" (1883م-1946م) -عضوُ الوفدِ البريطانيِّ إلى مؤتمرِ پاريسَ للسلامِ- بعيدَ النظرِ عندما وصفَ معاهدةَ ڤرسايَ بعبارتهِ الشهيرةِ: "سلامٌ قرطاجيٌّ" (إشارةً منهُ إلى تدميرِ الرومانِ قرطاجةَ كليّاً، لقدْ حققوا السلامَ ولكنْ على أنقاضِ دولة)، واعتبرَ أنَّ منْ شأنِها أنْ تدمرَ ألمانيا اقتصاديّاً، وذاتِ نتائجَ عكسيّةٍ. وقدْ ظلَّ هذا الأمرُ موضوعَ أخذٍ وردٍّ دائمٍ من قبلِ المؤرخينَ والاقتصاديّينَ على حدٍّ سواء.
من ناحيةٍ أخرى رأتْ شخصياتٌ بارزةٌ منَ الحلفاءِ المعاهدةَ من وجهةِ نظرٍ أخرى، فانتقدها المارشالُ الفرنسيّ "فرديناند فوش" (1851م - 1929م) -القائدُ الأعلى لجيوش الحلفاءِ الذي وقَّعَ على طلبِ الهدنةِ منْ قبلِ الألمانِ- لأنها تعاملُ ألمانيا بشكلٍ متساهلٍ للغاية، ووصفها بقولهِ: "هذا ليسَ سلاماً، إنّهُ فقط هدنةٌ لمدةِ عشرينَ عاماً"، فيما اعتبرَ -فيما بعدُ- نبوءةً غيرَ مسبوقة. ويُروى أنَّ صحافيّاً سألَ "جورجَ كليمنصو" رئيسَ وزراءِ فرنْسا (1917م-1920م) عنْ سببِ عدائِهِ للألمانِ (وقدْ اشتهرَ بتصلبهِ الشديدِ أثناءَ المفاوضاتِ)، وقالَ لهُ: "هلْ ذهبتَ يوماً إلى ألمانيا ورأيتَ الألمانَ؟"، فأجابَ: "لا، ولكني خلالَ حياتي رأيتُ الألمانَ مرتينِ يأتونَ إلى فرنْسا" (إشارةً منهُ إلى الحربِ الفرنسيةِ-البروسيةِ (1870م-1871م)، والحربِ العالميّةِ الأولى)، وسواءً كانتِ الروايةُ صحيحةً أو صيغتْ على سبيلِ "المضحكِ-المُبكي" فإنها تصورُ الروحَ التي جرتْ فيها المفاوضاتُ التي أدّتْ إلى معاهدةِ ڤرساي.
سمّيت المعاهدةُ بمعاهدةِ ڤرسايَ على اسمِ المكانِ الذي جرتْ فيه مراسمُ توقيعِهَا النهائيُِ وهوَ قاعةُ المرايا الشهيرةُ بقصر ڤرسايَ التاريخيِّ في ضواحي پاريسَ، لكنَّ معظمَ المفاوضاتِ جرتْ في پاريسَ، وعُقدتِ اجتماعاتُ "الأربعةِ الكبارِ" (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولاياتِ المتحدةِ) بشكلٍ عامٍّ في وزارةِ الخارجيةِ الفرنسيّةِ (بالفرنسية: Quai d'Orsay).